أسهم 2009
د. محمد بن ناصر الجديد
عديدة هي وجهات النظر حول قراءة توقعات أداء السوق المالية السعودية خلال هذا العام. بعض وجهات النظر تتجه نحو التفاؤل بعام مالي جميل تبلغ فيه مجموعة من الآفاق. والبعض الآخر يتجه نحو عكس ذلك بعام مالي عصيب تبرز فيه مجموعة من التحديات. جميع وجهات النظر هذه تأخذ في الحسبان تطورات النظام المالي والاقتصادي هذه الأيام وما قد ينتج عنه من انعكاسات إيجابية كانت أو سلبية. وعلى الرغم من هذا التفاوت والتباين الواضح، إلا أن تحديد وجهة النظر الأرجح تختلف باختلاف زاوية قراءة الواقع ومن ثم المستقبل.
قامت مجموعة من الباحثين في معهد سانتافي في جامعة نيوميكسيكو الأمريكية بإجراء تجربة عملية من خلال تطوير برنامج محاكاة آلي من شأنه تحديد السعر المستقبلي للأسهم. نشرت التجربة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم لعدد شباط (فبراير) 2005. وعلى الرغم من أن تاريخ نشر الورقة العلمية يعد متأخرا بعض الشيء، إلا أن العلاقة بين نتائجها وما يحدث هذه الأيام من تطورات في أسواق المال العالمية تستأنس القراءة السريعة لورقة العمل.
هدفت التجربة إلى تفسير التباين في عوائد الأرباح، أو الخسائر بين أنواع المستثمرين, أو بعبارة أدق، لماذا يحقق مستثمر بعينه عائدا ماليا أكبر من ذلك الذي يحققه مستثمر آخر في السوق المالية نفسها؟ وما العلاقة بين استخدام التحاليل المالية، فنية كانت أو أساسية، وزيادة أو تواضع حجم المحفظة الاستثمارية؟
قام الباحثون بتسجيل الرصيدين الافتتاحي والختامي خلال 11 شهرا لعدد معين من المحافظ الاستثمارية التي تتداول في أسهم الشركات المدرجة في سوق لندن للأوراق المالية. روعي في اختيار المحافظ عاملان أساسيان. العامل الأول، أن تلك المحافظ لم تدعم بسيولة إضافية خلال فترة إجراء التجربة.
والعامل الآخر، تباين آلية تداول أصحاب تلك المحافظ من مستثمرين انتقائيين وعشوائيين، عطفا على إفادة أصحابها. المستثمر الانتقائي من يعتمد على التحاليل المالية لانتقاء أسهم الشركات المتاجر بها، والمستثمر العشوائي من يعتمد على الأحاسيس النفسية في اختيار أسهم الشركات المتاجر بها.
نفذت هذه المحافظ ما مجموعه نحو ستة ملايين صفقة على أسهم 11 شركة مدرجة خلال الفترة من الأول آب (أغسطس) 1998 إلى 30 نيسان (أبريل) 2000.
قام الباحثون بإدخال هذه البيانات في برنامج محاكاة صمم خصيصا لإجراء هذه التجربة. روعي في تصميم البرنامج عاملان مهمان. العامل الأول، أن قرارات الاستثمار تنتهج العشوائية, دون الانتقائية، في المفاضلة بين أسهم الشركات الـ 11. العامل الآخر، أن آلية التداول تتم بناء على خاصيتي التباين السعري، ومعدل التذبذب. التباين السعري هو الاختلاف بين أفضل عرض، وطلب على سعر السهم. ومعدل التذبذب هو آلية قياس درجة المخاطرة في تذبذبات سعر السهم.
الهدف الأساسي من برنامج المحاكاة هو إجراء محاكاة افتراضية لتداول تلك المحافظ في أسهم الشركات الـ 11 بحيث يتوقف البرنامج عن التداول عندما يبلغ عدد الصفقات المنفذة لكل محفظة العدد الحاصل نفسه في أرض الواقع.
تتم بعد ذلك المقارنة بين الأرصدة الختامية للمحافظ الافتراضية بتلك الموجودة في المحافظ الواقعية. قام الباحثون بعد ذلك بتشغيل برنامج المحاكاة هذا، وباستخدام البيانات الحقيقية نفسها، والخاصة بالرصيد الافتتاحي، والختامي، وإجمالي عدد الصفقات.
أسهمت عدة عوامل في اختيار سوق لندن للأوراق المالية، عوضا عن الأسواق المالية الأخرى، لإجراء التجربة, منها توافر البيانات، وآلية عمل السوق، التي تنقسم إلى نوعين, النوع الأول سوق طلبي، شبيه بسوق المال السعودي، ويقوم على توافر عدد من طلبات بيع، وشراء لأسهم شركة مدرجة. يشكل هذا النوع نحو 40 إلى 50 في المائة من إجمالي حجم السوق. ولنوع الثاني سوق حصصي، شبيه بسوق "ناسداك"، يقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر. يشكل هذا النوع نحو 50 إلى 60 في المائة من إجمالي حجم السوق.
أهم نتيجة توصلت إليها التجربة هي أن الرصيد الختامي للمحافظ الافتراضية يشابه إلى درجة التساوي الرصيد الختامي للمحافظ الواقعية. خلص الباحثون من هذه النتيجة إلى أن منهجية الاستثمار في سوق الأسهم تنتهج الأسلوب العشوائي، عوضا عن الانتقائي.
بمعنى آخر، أن الاستثمار في أسهم الشركات لا يخضع إلى آراء التحاليل المالية، فنية كانت، أو أساسية. وإنما يخضع إلى آلية عمل السوق نفسه. تناقض هذه الخلاصة أدبيات الدراسات المالية، التي تدعم نظرية الانتقائية في الاستثمار بالأسهم، عن طريق التركيز على آلية عمل السوق نفسه، عوضا عن المنهجية الانتقائية عند الاستثمار في الأسهم.
تقود هذه التجربة إلى خلاصة حول مقومات السياسة الاستثمارية السليمة مفادها أن وضوح الرؤية، وعملية الأهداف، وثبات المنهجية تشكل في مجملها أرضية منطقية نحو استثمار سليم طويل الأجل. توفيق الله، ثم القناعة، والثبات، يأتي قبل هذا كله.
*عن صحيفة " الإقتصادية" السعودية
د. محمد بن ناصر الجديد
عديدة هي وجهات النظر حول قراءة توقعات أداء السوق المالية السعودية خلال هذا العام. بعض وجهات النظر تتجه نحو التفاؤل بعام مالي جميل تبلغ فيه مجموعة من الآفاق. والبعض الآخر يتجه نحو عكس ذلك بعام مالي عصيب تبرز فيه مجموعة من التحديات. جميع وجهات النظر هذه تأخذ في الحسبان تطورات النظام المالي والاقتصادي هذه الأيام وما قد ينتج عنه من انعكاسات إيجابية كانت أو سلبية. وعلى الرغم من هذا التفاوت والتباين الواضح، إلا أن تحديد وجهة النظر الأرجح تختلف باختلاف زاوية قراءة الواقع ومن ثم المستقبل.
قامت مجموعة من الباحثين في معهد سانتافي في جامعة نيوميكسيكو الأمريكية بإجراء تجربة عملية من خلال تطوير برنامج محاكاة آلي من شأنه تحديد السعر المستقبلي للأسهم. نشرت التجربة في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم لعدد شباط (فبراير) 2005. وعلى الرغم من أن تاريخ نشر الورقة العلمية يعد متأخرا بعض الشيء، إلا أن العلاقة بين نتائجها وما يحدث هذه الأيام من تطورات في أسواق المال العالمية تستأنس القراءة السريعة لورقة العمل.
هدفت التجربة إلى تفسير التباين في عوائد الأرباح، أو الخسائر بين أنواع المستثمرين, أو بعبارة أدق، لماذا يحقق مستثمر بعينه عائدا ماليا أكبر من ذلك الذي يحققه مستثمر آخر في السوق المالية نفسها؟ وما العلاقة بين استخدام التحاليل المالية، فنية كانت أو أساسية، وزيادة أو تواضع حجم المحفظة الاستثمارية؟
قام الباحثون بتسجيل الرصيدين الافتتاحي والختامي خلال 11 شهرا لعدد معين من المحافظ الاستثمارية التي تتداول في أسهم الشركات المدرجة في سوق لندن للأوراق المالية. روعي في اختيار المحافظ عاملان أساسيان. العامل الأول، أن تلك المحافظ لم تدعم بسيولة إضافية خلال فترة إجراء التجربة.
والعامل الآخر، تباين آلية تداول أصحاب تلك المحافظ من مستثمرين انتقائيين وعشوائيين، عطفا على إفادة أصحابها. المستثمر الانتقائي من يعتمد على التحاليل المالية لانتقاء أسهم الشركات المتاجر بها، والمستثمر العشوائي من يعتمد على الأحاسيس النفسية في اختيار أسهم الشركات المتاجر بها.
نفذت هذه المحافظ ما مجموعه نحو ستة ملايين صفقة على أسهم 11 شركة مدرجة خلال الفترة من الأول آب (أغسطس) 1998 إلى 30 نيسان (أبريل) 2000.
قام الباحثون بإدخال هذه البيانات في برنامج محاكاة صمم خصيصا لإجراء هذه التجربة. روعي في تصميم البرنامج عاملان مهمان. العامل الأول، أن قرارات الاستثمار تنتهج العشوائية, دون الانتقائية، في المفاضلة بين أسهم الشركات الـ 11. العامل الآخر، أن آلية التداول تتم بناء على خاصيتي التباين السعري، ومعدل التذبذب. التباين السعري هو الاختلاف بين أفضل عرض، وطلب على سعر السهم. ومعدل التذبذب هو آلية قياس درجة المخاطرة في تذبذبات سعر السهم.
الهدف الأساسي من برنامج المحاكاة هو إجراء محاكاة افتراضية لتداول تلك المحافظ في أسهم الشركات الـ 11 بحيث يتوقف البرنامج عن التداول عندما يبلغ عدد الصفقات المنفذة لكل محفظة العدد الحاصل نفسه في أرض الواقع.
تتم بعد ذلك المقارنة بين الأرصدة الختامية للمحافظ الافتراضية بتلك الموجودة في المحافظ الواقعية. قام الباحثون بعد ذلك بتشغيل برنامج المحاكاة هذا، وباستخدام البيانات الحقيقية نفسها، والخاصة بالرصيد الافتتاحي، والختامي، وإجمالي عدد الصفقات.
أسهمت عدة عوامل في اختيار سوق لندن للأوراق المالية، عوضا عن الأسواق المالية الأخرى، لإجراء التجربة, منها توافر البيانات، وآلية عمل السوق، التي تنقسم إلى نوعين, النوع الأول سوق طلبي، شبيه بسوق المال السعودي، ويقوم على توافر عدد من طلبات بيع، وشراء لأسهم شركة مدرجة. يشكل هذا النوع نحو 40 إلى 50 في المائة من إجمالي حجم السوق. ولنوع الثاني سوق حصصي، شبيه بسوق "ناسداك"، يقوم على توافر عدد معين من حصص الأسهم المطروحة للبيع من قبل المستثمر. يشكل هذا النوع نحو 50 إلى 60 في المائة من إجمالي حجم السوق.
أهم نتيجة توصلت إليها التجربة هي أن الرصيد الختامي للمحافظ الافتراضية يشابه إلى درجة التساوي الرصيد الختامي للمحافظ الواقعية. خلص الباحثون من هذه النتيجة إلى أن منهجية الاستثمار في سوق الأسهم تنتهج الأسلوب العشوائي، عوضا عن الانتقائي.
بمعنى آخر، أن الاستثمار في أسهم الشركات لا يخضع إلى آراء التحاليل المالية، فنية كانت، أو أساسية. وإنما يخضع إلى آلية عمل السوق نفسه. تناقض هذه الخلاصة أدبيات الدراسات المالية، التي تدعم نظرية الانتقائية في الاستثمار بالأسهم، عن طريق التركيز على آلية عمل السوق نفسه، عوضا عن المنهجية الانتقائية عند الاستثمار في الأسهم.
تقود هذه التجربة إلى خلاصة حول مقومات السياسة الاستثمارية السليمة مفادها أن وضوح الرؤية، وعملية الأهداف، وثبات المنهجية تشكل في مجملها أرضية منطقية نحو استثمار سليم طويل الأجل. توفيق الله، ثم القناعة، والثبات، يأتي قبل هذا كله.
*عن صحيفة " الإقتصادية" السعودية